أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

1+4:

كيف ستتعامل إيران مع قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق؟

09 مايو، 2018


لم تتعجل إيران في إبداء رد فعل متشدد إزاء إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 8 مايو الجاري، عن الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات عليها. ورغم أنها هددت على لسان أكثر من مسئول، وكان آخرهم مستشار المرشد للعلاقات الدولية علي أكبر ولايتي، بأنها سوف تنسحب بدورها في حالة إقدام الإدارة الأمريكية على تبني تلك الخطوة، إلا أنها فضلت التريث، لأسابيع أو لأيام قليلة، قبل أن تتخذ قرارها الأخير في هذا السياق.

ويرتبط هذا القرار النهائي بمتغيرات عديدة، يتمثل أهمها في اتجاهات توازنات القوى الداخلية التي ستؤدي في الأخير إلى بلورة الرؤية الإيرانية في التعامل مع المعطيات التي سيفرضها القرار الأمريكي، ومدى نجاح التعويل على استكمال الاتفاق النووي مع الدول الأوروبية وروسيا والصين، فضلاً عن مدى قدرة الدول الأوروبية على إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بعدم عرقلة ذلك من خلال العقوبات.

رسائل مباشرة:

كان لافتًا أن الرئيس الإيراني حسن روحاني حرص على إلقاء كلمة بعد إعلان الرئيس ترامب الانسحاب من الاتفاق، ركز فيها على توجيه رسائل مباشرة إلى الداخل والخارج، بالتوازي مع مسارعة بعض المؤسسات والجهات داخل إيران إلى إبداء مواقف إزاء الخطوة الأمريكية.

وتكشف هذه المواقف عن دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- طمأنة الإيرانيين: ركز روحاني على أن الوضع الاقتصادي الداخلي لن يتأثر بشكل كبير بتداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، حيث قال أن الحكومة قادرة على تحقيق الاستقرار في الأسواق، وقد سعى من خلال ذلك إلى تحاشي تفاقم أزمة انهيار العملة الوطنية، حيث وصل الدولار إلى نحو 7200 تومان (72 ألف ريال) في السوق السوداء، بسبب تزايد إقبال الإيرانيين على شراء الدولار استعدادًا للظروف الصعبة التي توقعوا أن تمر بها إيران حتى قبل أن يعلن ترامب عن قراره الأخير.

وقد وصل الأمر لدرجة أن صحيفة كيهان (الدنيا) القريبة من مؤسسة المرشد الأعلى للجمهورية كتبت، في 7 مايو الحالي، أنه "لو تم حرق الاتفاق النووي لما وصل سعر التومان إلى هذا الانحدار الكبير"، في إشارة إلى أنها كانت تفضل من البداية الانسحاب من الاتفاق وإعادة تنشيط البرنامج النووي، في ظل السياسة التي تتبناها إدارة الرئيس ترامب تجاه إيران منذ توليه مهامه في البيت الأبيض في 20 يناير 2017.

2- الحفاظ على الإنجاز الوحيد: لم تنجح حكومة روحاني في تحقيق أى من التزاماته الرئيسية التي أعلنها قبيل الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عامى 2013 و2017، بشكل يدفعها حاليًا إلى التمسك بالحفاظ على الاتفاق النووي، باعتبار أنه "الإنجاز" الوحيد الذي حققته على مدى الأعوام الخمسة الماضية. ومن هنا، بدأ الرئيس روحاني قبل يوم من خطاب ترامب في التلميح إلى أن خيار الانسحاب من الاتفاق لن يكون رد الفعل الفوري الذي ستتبناه إيران للتعامل مع الانسحاب الأمريكي، حيث أشار إلى ضرورة فصل المسارين الأوروبي والأمريكي، وهى خطوة يمكن تفسيرها في أن روحاني يحاول في الوقت الحالي الترويج إلى إمكانية استكمال العمل بالاتفاق النووي مع الدول الأوروبية الثلاثة (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) وكل من روسيا والصين، في إطار مجموعة دولية جديدة هى مجموعة "4+1"، بدلاً من "5+1" التي انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكية.

وتوازى ذلك مع اجتماع عقد قبيل ساعات قليلة من كلمة ترامب في بروكسل بين عباس عراقجي مساعد وزير الخارجية الإيراني ومساعدي وزراء الخارجية في الدول الأوروبية الثلاثة إلى جانب الأمين العام للعلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي هيلغا شميدث، للتباحث حول سبل مواصلة العمل بالاتفاق بعد انسحاب واشنطن.  

وفي رؤية روحاني وفريق التفاوض، فإنه لم يكن هناك تعويل من البداية على العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية أو استقطاب استثمارات أمريكية في السوق الإيرانية، حيث تركزت معظم الصفقات مع الدول الأوروبية إلى جانب روسيا والصين، بالإضافة إلى أن إيران كانت ممنوعة من البداية من استخدام النظام المالي الأمريكي.

ومع ذلك، فإن هذه الرؤية سوف تصطدم بعقبة رفض المؤسسات النافذة في النظام لها، خاصة الحرس الثوري، الذي يتوقع أن تشن المؤسسات الإعلامية التابعة له حملة عنيفة ليس ضد قرار ترامب فقط، وإنما ضد سياسة روحاني أيضًا.

وهنا، فإن تلك المؤسسات سوف تسعى إلى ممارسة ضغوط من أجل الرد بقوة على القرار الأمريكي وعدم الانتظار لأسابيع قبل اتخاذ قرار الانسحاب، خاصة أن القرار الأمريكي يفرغ، في رؤيتها، الاتفاق النووي من مضمونه ويمنع إيران من الحصول على مزيد من العوائد الاقتصادية التي كانت تتوقعها حكومة روحاني في مرحلة ما بعد رفع العقوبات الدولية في يناير 2016.

وكان لافتًا أن موقع "رجانيوز" التابع للحرس الثوري وجه انتقادات شديدة لروحاني، حيث اتهمه بـ"إهانة" الشعب، وقال أنه تراجع في كلمته التي رد فيها على ترامب عن التهديدات التي أطلقها العديد من المسئولين بالانسحاب من الاتفاق وإعادة تخصيب اليورانيوم حتى مستوى 20%، ودعا إلى ضرورة إجراء مزيد من المشاورات مع القوى الدولية الأخرى التي تسعى إلى الحفاظ على الاتفاق النووي حتى بعد القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب.

 كما أعاد رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري التشكيك في جدوى الاتفاق النووي، مؤكدًا أنه "لم يحقق طموحات الشعب من البداية"، فيما قال القائد العام للجيش اللواء عبد الرحيم الموسوي أن "أكبر سيئة في الاتفاق النووي أنه أضفى الشرعية على التفاوض مع الولايات المتحدة"، وهو ما يعكس تصاعد الاتجاه المناهض لسياسات روحاني في الداخل على ضوء القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس ترامب.

3- إضعاف موقع الرئيس: سوف يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى إضعاف موقع الرئيس روحاني خلال الفترة المتبقية من ولايته الرئاسية الثانية، بشكل سوف يمكِّن المرشد الأعلى للجمهورية من ممارسة ضغوط أقوى عليه لمنعه من فتح الملفات الخلافية الأخرى، والإيعاز إلى المؤسسات النافذة في الدولة لاتخاذ إجراءات تقيد من الخيارات المتاحة أمام الرئيس، على غرار السلطة القضائية التي اتخذت قرار حجب موقع "تلجرام" قبل أيام رغم المعارضة التي أبدتها الحكومة في هذا السياق، باعتبار أن ذلك سوف يحرجها أمام القاعدة الشعبية المؤيدة لها، التي كانت تطمح في نجاح روحاني في توسيع هامش الحريات السياسية والاجتماعية كما أعلن في برنامجه الانتخابي.

 ويبدو أن ذلك يمثل مؤشرًا إلى أن الفترة المتبقية من الولاية الثانية للرئيس الحالي سوف تشهد تصعيدًا غير مسبوق من جانب الحرس الثوري وتيار المحافظين الأصوليين ضد روحاني وتيار المعتدلين بشكل عام، خاصة أن التيار الأول يستعد في المرحلة الحالية إلى إعادة ترتيب صفوفه قبل الاستحقاقات الانتخابية القادمة التي ستبدأ بالانتخابات البرلمانية في عام 2020، حيث بدأ الحديث من جديد عن ضرورة إعادة صياغة أنماط التحالفات داخل ائتلاف "جمنا" الذي تشكل قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة ودعم إبراهيم رئيسي المرشح المنافس لروحاني.

4- الضغط على الأوروبيين: ربما تكون الانتقادات التي توجهها تلك المؤسسات لحكومة روحاني مقدمة لشن حملة أوسع تطول الشركات الأجنبية التي تستثمر في إيران، خاصة أن الحرس الثوري قد يسعى إلى استغلال الانسحاب الأمريكي للدعوة إلى إنهاء استثمارات تلك الشركات، بشكل سوف يصب في اتجاه تعزيز النفوذ الاقتصادي للحرس، الذي يسعى إلى ملء الفراغ الذي سينتج عن ذلك.

وقد كان هذا النفوذ محور خلاف بين الحكومة والحرس خلال الفترة الماضية، بعد أن أصرت الأولى على ضرورة منع الشركات التابعة للحرس من الدخول في مناقصات حول تطوير بعض الحقول النفطية.

5- التعويل على بكين وموسكو: قد تسعى حكومة روحاني في الفترة المقبلة إلى دفع كل من الشركات الصينية والروسية إلى رفع حجم استثماراتها داخل إيران ليس فقط لتعويض أى انسحاب محتمل من جانب الشركات الأوروبية، على غرار شركة "توتال" التي سبق أن أعلنت، في يناير 2018، أنها ستعيد النظر في مجمل أعمالها داخل إيران في حالة انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق، وإنما أيضًا لمنع الحرس الثوري من استغلال ذلك لإعادة السيطرة على حصص في بعض المشروعات الكبرى، مثل تطوير المرحلة الحادية عشر من حقل بارس الجنوبي.

وهنا، فإن الحكومة قد تسعى إلى إقناع شركة "سي إن بي سي" الصينية بالاستحواذ على حصة شركة "توتال" في المشروع، لا سيما أن حصتها الحالية تصل إلى 30% مقابل 50.1% لتوتال و19.9% لشركة بتروبارس الوطنية الإيرانية.

لكن هذه الآلية قد تواجه عقبات عديدة، يتمثل أهمها في أن القوى الدولية سوف تحاول استيعاب المعطيات التي فرضها قرار الانسحاب، بهدف عدم تأثيرها بشكل كبير على مصالحها مع الولايات المتحدة الأمريكية، بما يعني أنها قد تضع في حساباتها أهمية التجاوب النسبي مع القرارات الأمريكية.  

وفي النهاية، فإن القرار الأخير الذي سوف تتخذه إيران للتعامل مع الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات عليها سوف يرتبط بالموقف الذي سيتبناه المرشد علي خامنئي، خلال الفترة القادمة، والذي سيؤثر بدوره ليس فقط على المسارات المحتملة للاتفاق النووي، وإنما أيضًا على المواجهات غير المباشرة المتوقع أن تنشب بين إيران من جهة وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في بعض دول الأزمات على غرار سوريا والعراق، في ظل الارتدادات التي قد تفرضها تطورات الملف النووي على الأزمات الإقليمية.